فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفقيه الإمام القاضي: وإنما يسكن إشفاقهم بأن يكون ذلك خبرًا من الله تعالى، وقد يسكن الإشفاق بأن يذكر الله ذلك عن عبد قد وصفه بالحكمة والسداد.
{وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بوَالدَيْه حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}.
هاتان الآيتان اعتراض أثناء وصية لقمان، ووجه الطبري ذلك بأنها من معنى كلام لقمان ومما قصده، وذلك غير متوجه لأن كون الآيتين في شأن سعد بن أبي وقاص حسب ما أذكره بعد يُضعّفُ أن تكون مما قالها لقمان، وإنما الذي يشبه أنه اعتراض أثناء الموعظة وليس ذلك بمفسد للأول منها ولا للآخر، بل لما فرغ من هاتين الآيتين عاد إلى الموعظة على تقدير إضمار وقال أيضًا لقمان ثم اختصر ذلك لدلالة المتقدم عليه، وهذه الآية شرك الله تعالى الأم والوالد منها في رتبة الوصية بهما، ثم خصص الأم بدرجة ذكر الحمل ودرجة ذكر الرضاع فتحصل للأم ثلاث مراتب وللأب واحدة، وأشبه ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال له رجل من أبر؟ «قال: أمك. قال ثم من؟ قال: ثم أمك. قال ثم من؟ قال: ثم أمك. قال ثم من؟ قال ثم أباك» فجعل له الربع من المبرة كالآية. {وهنًا على وهن} معناه ضعفًا على ضعف، وقيل إشارة إلى مشقة الحمل ومشقة الولاد بعده، وقيل إشارة إلى ضعف الولد وضعف الأم معه، ويحتمل أن أشار إلى تدرج حالها في زيادة الضعف، فكأنه لم يعين ضعفين بل كأنه قال حملته أمه والضعف يتزيد بعد الضعف إلى أن ينقضي أمره، وقرأ عيسى الثقفي {وهَنًا على وهَن} بفتح الهاء، ورويت عن أبي عمرو وهما بمعنى واحد، وقرأ جمهور الناس {وفصاله} وقرأ الحسن وأبو رجاء والجحدري ويعقوب {وفصله}، وأشار بالفصال إلى تعديد مدة الرضاع فعبر عنه بغايته، والناس مجموع على العامين في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات، وأما في تحريم اللبن فحددت فرقة بالعامين لا زيادة ولا نقص، وقالت فرقة العامان وما اتصل بهما من الشهر ونحوه إذا كان متصل الرضاع في حكم واحد يحرم، وقالت فرقة إن فطم الصبي قبل العامين وترك اللبن فإن ما شرب بعد ذلك في الحولين لا يحرم، وقوله تعالى: {أن اشكر} يحتمل أن يكون التقدير بأن اشكر، ويحتمل أن تكون مفسرة، وقال سفيان بن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى. ومن دعا لوالديه في دبر الصلوات فقد شكرهما، وقوله تعالى: {إليّ المصير} توعد أثناء الوصية، وقوله تعالى: {وإن جاهداك} الآية روي أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص وذلك أن أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية لما أسلم حلفت أن لا تأكل ولا تشرب حتى يفارق دنيه ويرجع إلى دين قومه فلج سعد في الإسلام، وكانت هي إذا أفرط عليه الجوع والعطش شحوا فاها، ويروى شجروا فاها، أي فتحوه بعود ونحوه وصبوا ما يرمقها، فلما طال ذلك ورأت أن سعدًا لا يرجع أكلت، ففي هذه القصة نزلت الآيات، قاله سعد بن أبي وقاص والجماعة من المفسرين.
قال الفقيه الإمام القاضي: فمطلب الآية الأولى الأمر ببر الوالدين وتعظيمه، ثم حكم بأن ذلك لا يكون في الكفر والمعاصي، وجملة هذا الباب أن طاعة الوالدين لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات وتستحسن في ترك الطاعات الندب، ومنه أمر جهاد الكفاية والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة، على أن أقوى من الندب لكن يعلل بخوف هلكة عليها ونحوه مما يبيح قطع الصلاة، فلا يكون أقوى من الندب، وخالف الحسن في هذا الفصل فقال إن منعته أمه من شهود العشاء الآخرة شفقة فلا يطعها، وقوله: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا} يعني الأبوين الكافرين أي صلهما بالمال وادعهما برفق، ومنه قول أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم وقد قدمت عليها خالتها، وقيل أمها من الرضاعة، فقالت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال نعم. وراغبة قيل معناه عن الإسلام.
قال الفقيه الإمام القاضي: والأظهر عندي أنها راغبة في الصلة وما كانت لتقدم على أسماء لولا حاجتها، ووالدة أسماء هي قتيلة بنت عبد عزى بن عبد أسعد وأم عائشة وعبد الرحمن هي أم رومان قديمة الإسلام.
وقوله تعالى: {واتبع سبيل من أناب إليّ} وصية لجميع العالم كأن المأمور الإنسان، و{أناب} معناه، مال ورجع إلى الشيء، وهذه سبيل الأنبياء والصالحين، وحكى النقاش أن المأمور سعد والذي أناب أبو بكر، وقال: إن أبا بكر لما أسلم أتاه سعد وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وطلحة وسعيد والزبير فقالوا آمنت؟ قال نعم، فنزلت فيه {أمن هو قانت آناء الليل} [الزمر: 9] فلما سمعها الستة آمنوا فأنزل الله تعالى فيهم {والذين اجتنبوا الطاغوت} [الزمر: 17] إلى قوله: {أولئك الذي هداهم الله} [الزمر: 18]. ثم توعد عز وجل بالبعث من القبور والرجوع إليه للجزاء والتوقيف على صغير الأعمال وكبيرها. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة} مفعولان.
ولم ينصرف لُقْمَانَ لأن في آخره ألفًا ونونًا زائدتين؛ فأشبه فُعلان الذي أنثاه فُعلَى فلم ينصرف في المعرفة لأن ذلك ثقل ثان، وانصرف في النكرة لأن أحد الثقلين قد زال؛ قاله النحاس.
وهو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارَح، وهو آزر أبو إبراهيم؛ كذا نسبه محمد بن إسحاق.
وقيل: هو لقمان بن عنقاء بن سرون وكان نوبيا من أهل أيلة؛ ذكره السهيليّ.
قال وهب: كان ابنَ أخت أيوب.
وقال مقاتل: ذكر أنه كان ابن خالة أيوب.
الزَّمَخْشَريّ: وهو لقمان بن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته، وقيل كان من أولاد آزر، عاش ألف سنة وأدركه داود عليه الصلاة والسلام وأخذ عنه العلم، وكان يُفتي قبل مبعث داود، فلما بعث قطع الفتوى فقيل له، فقال: ألا أكتفي إذ كُفيت.
وقال الواقدي: كان قاضيًا في بني إسرائيل.
وقال سعيد بن المسيّب: كان لقمان أسود من سودان مصر ذا مشافر، أعطاه الله تعالى الحكمة ومنعه النبوّة؛ وعلى هذا جمهور أهل التأويل إنه كان وليًّا ولم يكن نبيًا.
وقال بنبوّته عكرمة والشعبيّ؛ وعلى هذا تكون الحكمة النبوّة.
والصواب أنه كان رجلًا حكيمًا بحكمة الله تعالى وهي الصواب في المعتقدات والفقه في الدّين والعقل قاضيًا في بني إسرائيل، أسود مشقَّق الرّجلين ذا مشافر، أي عظيم الشفتين؛ قاله ابن عباس وغيره.
وروي من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لم يكن لقمان نبيًّا ولكن كان عبدًا كثير التفكر حسن اليقين، أحبّ الله تعالى فأحبه، فمنّ عليه بالحكمة، وخيّره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق؛ فقال: ربّ، إن خيّرتني قبلتُ العافية وتركت البلاء، وإن عزمتَ عليّ فسمعًا وطاعة فإنك ستعصمني»؛ ذكره ابن عطية.
وزاد الثعلبيّ: فقالت له الملائكة بصوت لا يراهم: لمَ يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشدّ المنازل وأكدرها، يغشاه المظلوم من كل مكان، إن يُعَنْ فبالْحَرَى أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة.
ومن يكن في الدنيا ذليلًا فذلك خير من أن يكون فيها شريفًا.
ومن يَخْتَر الدنيا على الآخرة نفته الدنيا ولا يصيب الآخرة.
فعجبت الملائكة من حسن منطقه؛ فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه يتكلّم بها.
ثم نودي داود بعده فقبلها يعني الخلافة ولم يشترط ما اشترطه لقمان، فهوَى في الخطيئة غير مرة، كل ذلك يعفو الله عنه.
وكان لقمان يوازره بحكمته؛ فقال له داود: طوبى لك يا لقمان! أعطيت الحكمة وصُرف عنك البلاء، وأُعطي داود الخلافة وابتُلي بالبلاء والفتنة.
وقال قتادة: خيّر الله تعالى لقمان بين النبوّة والحكمة؛ فاختار الحكمة على النبوّة؛ فأتاه جبريل عليه السلام وهو نائم فذرّ عليه الحكمة فأصبح وهو ينطق بها؛ فقيل له: كيف اخترت الحكمة على النبوّة وقد خيّرك ربك؟ فقال: إنه لو أرسل إليّ بالنبوّة عَزْمة لرجوْت فيها العون منه، ولكنه خيّرني فخفت أن أضعُف عن النبوّة، فكانت الحكمة أحبّ إليّ.
واختلف في صنعته؛ فقيل: كان خياطًا؛ قاله سعيد بن المسيّب، وقال لرجل أسود: لا تحزن من أنك أسود، فإنه كان من خير الناس ثلاثةٌ من السودان: بلال ومهْجع مولى عمر ولقمان.
وقيل: كان يحتطب كل يوم لمولاه حُزْمه حطب.
وقال لرجل ينظر إليه: إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض.
وقيل: كان راعيًا، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال له: ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى.
قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: قدَر الله، وأدائي الأمانة، وصدق الحديث، وترك ما لا يعنيني؛ قاله عبد الرحمن بن زيد بن جابر.
وقال خالد الرَّبَعي: كان نجارًا؛ فقال له سيده: اذبح لي شاة وائتني بأطيبها مُضْغتين؛ فأتاه باللسان والقلب؛ فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين؟ فسكت، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له: ألق أخبثها مضغتين؛ فألقى اللسان والقلب؛ فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تُلقي أخبثها فألقيت اللسان والقلب؟! فقال له: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
قلت: هذا معناه مرفوع في غير ما حديث، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلُحت صَلُح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» وجاء في اللسان آثار كثيرة صحيحة وشهيرة؛ ومنها قوله عليه السلام: «من وقاه الله شر اثنتين وَلَج الجنة: ما بين لَحْيَيْه ورجليه» الحديث.
وحكَم لقمان كثيرةٌ مأثورة هذا منها: وقيل له: أيّ الناس شر؟ قال: الذي لا يبالي أن رآه الناس مسيئًا.
قلت: وهذا أيضًا مرفوع معنى، قال صلى الله عليه وسلم: «كلّ أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربّه ويصبح يَكْشف ستر الله عنه» رواه أبو هريرة خرجه البخاري.
وقال وهب بن منبّه: قرأت من حكمة لقمان أرجح من عشرة آلاف باب.
وروي أنه دخل على داود عليه السلام وهو يَسْرُد الدروع، وقد ليّن الله له الحديد كالطين فأراد أن يسأله، فأدركته الحكمة فسكت؛ فلما أتمها لبسها وقال: نعم لَبُوسُ الحرب أنت.
فقال: الصمت حكمة، وقليل فاعله.
فقال له داود: بحقٍّ مّا سُمّيت حكيمًا.
قوله تعالى: {أَن اشكر للَّه} فيه تقديران: أحدهما أن تكون إن بمعنى أي مفسرة؛ أي قلنا له اشكر.
والقول الآخر أنها في موضع نصب والفعل داخل في صلتها؛ كما حكى سيبويه: كتبت إليه أن قم؛ إلا أن هذا الوجه عنده بعيد.
وقال الزجاج: المعنى ولقد آتينا لقمان الحكمة لأن يشكر الله تعالى.
وقيل: أي بأن اشكر الله تعالى فشكر؛ فكان حكيمًا بشكره لنا.
والشكر لله: طاعته فيما أمر به.
وقد مضى القول في حقيقته لغة ومعنى في البقرة وغيرها {وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لنَفْسه} أي من يطع الله تعالى فإنما يعمل لنفسه؛ لأن نفع الثواب عائد إليه.
{وَمَن كَفَرَ} أي كفر النعم فلم يوحّد الله {فَإنَّ الله غَنيٌّ} عن عبادة خلقه {حَميدٌ} عند الخلق؛ أي محمود.
وقال يحيى بن سلام: {غَنيّ} عن خلقه {حَميدٌ} في فعله.
قوله تعالى: {وَإذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنه وَهُوَ يَعظُهُ} قال السُّهَيْلي: اسم ابنه ثاران؛ في قول الطبري والقُتَبيّ.
وقال الكلبي: مشكم.
وقيل أنعم؛ حكاه النقاش.
وذكر القشيري أن ابنه وامرأته كانا كافرين فما زال يعظهما حتى أسلما.
قلت: ودلّ على هذا قوله: {لاَ تُشْركْ بالله إنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظيمٌ}.
وفي صحيح مسلم وغيره عن عبد الله قال: لما نزلت {الذين آمَنُوا وَلَمْ يلبسوا إيمَانَهُمْ بظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يا بنيّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}» واختلف في قوله: {إنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظيمٌ} فقيل: إنه من كلام لقمان.
وقيل: هو خبر من الله تعالى منقطعًا من كلام لقمان متصلًا به في تأكيد المعنى؛ ويؤيد هذا الحديث المأثور أنه لما نزلت: {الذين آمَنُوا وَلَمْ يلبسوا إيمَانَهُمْ بظُلْمٍ} أشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم؛ فأنزل الله تعالى: {إنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظيمٌ} فسكن إشفاقهم، وإنما يسكن إشفاقهم بأن يكون خبرًا من الله تعالى؛ وقد يسكن الإشفاق بأن يذكر الله ذلك عن عبد قد وصفه بالحكمة والسداد.
وإذ في موضع نصب بمعنى اذكر.
وقال الزجاج في كتابه في القرآن: إن إذ في موضع نصب ب {آتينا} والمعنى: ولقد آتينا لقمان الحكمة إذ قال.
النحاس: وأحسبه غلطًا؛ لأن في الكلام واوًا تمنع من ذلك.
وقال: {يَا بُنَيّ} بكسر الياء؛ لأنها دالة على الياء المحذوفة، ومن فتحها فلخفة الفتحة عنده؛ وقد مضى في هود القول في هذا.
وقوله: {يا بني} ليس هو على حقيقة التصغير وإن كان على لفظه، وإنما هو على وجه الترقيق؛ كما يقال للرجل: يا أُخَيّ، وللصبي هو كُوَيْس.
قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بوَالدَيْه}.
فيه ثماني مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بوَالدَيْه} هاتان الآيتان اعتراض بين أثناء وصيّة لقمان.
وقيل: إن هذا مما أوصى به لقمان ابنَه؛ أخبر الله به عنه؛ أي قال لقمان لابنه: لا تشرك بالله ولا تطع في الشرك والديك، فإن الله وصّى بهما في طاعتهما مما لا يكون شركًا ومعصية لله تعالى.
وقيل: أي وإذ قال لقمان لابنه؛ فقلنا للقمان فيما آتيناه من الحكمة ووصينا الإنسان بوالديه؛ أي قلنا له اشكر لله، وقلنا له ووصينا الإنسان.
وقيل: وإذ قال لقمان لابنه لا تشرك، ونحن وصينا الإنسان بوالديه حسنًا، وأمرنا الناس بهذا، وأمر لقمان به ابنه؛ ذكر هذه الأقوال القشيريّ.
والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وَقّاص؛ كما تقدم في العنكبوت وعليه جماعة المفسرين.
وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات، ويستحسن في ترك الطاعات الندب؛ ومنه أمر الجهاد الكفاية، والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة؛ على أن هذا أقوى من الندب؛ لكن يعلل بخوف هلكة عليها، ونحوه مما يبيح قطع الصلاة فلا يكون أقوى من الندب.